مقال أوحى لي به اعتراض منظمة اليونيسكو على تغيير معالم محطة القطار/ الرباط المدينة، وذلك انسجاما مع اتخاذ مدينة الرباط تراثا انسانيا.
لاينكر الاجاحد الجهود التي تبذل على مختلف المستويات، لمسايرة التطور التكنولوجي والعمراني، بقصد اللحاق بركب الدول المتقدمة، ولعل انشاء موانئ ومطارات وتجديد محطات القطارات، وغيرها من المشاريع الضخمة التي تكلف ميزانية الدولة مبالغ مالية هامة، يندرج في سياق انخراط المغرب في نادي الدول الصاعدة.
وكنموذج على ذلك تجديد واعادة هيكلة محطات القطارات، عبر المدن المرتبطة بشبكة السكك الحديدية والتي تمثل ذلك الشريان الذي يربط بين عدد من مناطق المغرب، وبالفعل فقد بات من حق المغرب ان يفاخر بما انجز في هذا المجال، شريطة الحفاظ على الطابع المغربي الاصيل وصيانة ماثره التاريخية.
في هذا الصدد يعتبر تجديد محطة الرباط المدينة، اخلالا بهذا الشرط فهذه المحطة التي راعى الماريشال “اليوطي” مؤسسها عند إنشائها، ان تكون محاذية للسورالتاريخي الذي اسسه الموحدون، والاتحجبه عن الانظار او تنال بجزء من اجزائه، عكس ماحصل اليوم بالنسبة لهذه المحطة، حيث تعرض أثر تاريخي هام للمحو والطمس، بينما كانت الحكمة تقتضي الاحتفاظ بالمحطة كما هي، لأنها تمثل تراثا انسانيا، وليقع بعد ذلك تجديد غيرها كمحطة اكدال التي لا علاقة لها باي تراث تاريخي.
واذا كان الشيء بالشيء يذكر فقد كانت زيارتي الاخيرة لباريس، مناسبة للوقوف على مختلف معالمها ومأثرها ونشر تدويناتي عنها في حلقات يمكن العودة إليها لمن شاء، والتي يعود تاريخ معظمها إلى قرون بعيدة، حيث تجد بها مأثر تعود الى العصور الوسطى التي توسم بكونها عصورا ظلامية في اروبا، ومع ذلك فقد خلفت أثارا أية في الجمال وفي الهندسة المعمارية، لاتزال إلى عصرنا الحاضر، شاهدة على عبقرية مصمميها، ولم يحدث ان تطاول عليها أحد بدعوى التجديد اوالعصرنة، بل بالعكس من ذلك تتعهدها الدولة باستمرار، بأعمال الإصلاح والترميم، للمحافظة على طابعها القديم، كما هو الشأن بالنسبة ل “كاتدرائية نوتردام”، وذلك اقتناعا من الدولة الفرنسية ان باريس هي أثارها ولاقيمة لها بدونها، ولولاها لما كانت تحتل الصدارة عالميا في عدد الزوار والسياح الذين يشدون الرحال اليها، من مختلف اصقاع المعمور، لالمشاهدة الابراج والعمارات الشامخة، ولكن لمشاهدة أثار باريس التاريخية.
ان مايقع في بلادنا من طمس ومحو لمعالم وأثار تاريخية، لامبرر له سوى الجهل بقيمتها، فمدينة مراكش مثلا التي كانت تستقطب نسبة هامة من السياح، لا لمشاهدة العمارات الشامخة ولكن لمشاهدة مراكش التقليدية ببساطة حياة سكانها، تعرضت لهجمة شرسة من طرف وحوش العقار، وبذلك بدأت تفقد جاذبيتها، حيث لم تعد تستهوي عشاقها كما كانت في السابق، كما صرح لي بذلك عدد من زوارها التقليديين مغاربة واجانب، وكذلك الأمر بالنسبة لعدد من المدن التاريخية العريقة.
فهل يتدارك المسؤولون هذه الآثار قبل فوات الاوان؟.
محمد الأمين ازروال
414