العلاقة الإجتماعية في روابطها إما أنها تجمع داخل وحدات مشتركة : إما نفعية ذات ربح مالي ، إما لصالح المجتمعين أنفسهم أو شركاء داخل هذا التجمع كل يؤدي دوره و إن لم يكن الرابط إنساني بينهم بمعنى أن يكون أولئك الشركاء مرتبطين إنسانيا إما في صداقات أو قرابات أو الصالح المشترك، إما عن طريق مساهمات أو خدمات إما ذات نفع عام أو نفع خاص و الأمثلة بين هذا وذاك كالمؤسسات البنكية والجماعات الترابية بحيث كل فيه منفعة في المثال الأول و إن كان النفع مشترك مع الآخرين إلا أنه أكثره خاص وفي المثال الثاني النفع كله عام ، وهنا تأتي هذه العلاقات و الأدوار بحيث في المثال الأول مؤدى عنه كل يؤدي دوره بأداءات وربح أكثر بينما في الثاني كل العطاء من أجل الغير، يبقى القاسم المشترك هنا هو التفاني والإخلاص و الجدية في تحصيل نتيجة العملين معا .
هذا المدخل أردت من خلاله إعطاء المعنى الإيجابي في العلاقات الإجتماعية التي أساس أركانها و إن وجدت بعض العثرات قد تصيب هذا العمل أو ذاك بنوع من الفتور أو نقصان الأداء لكن مع المراجعة والتشخيص الجيد لمكمن الأخطاء و الهفوات مع العزم على تصحيحها وتطوير مؤداها يبقى ذلك العمل متوهجا ويدرك المجتمعون من أجله أنهم فعلا وحقا هدفهم وغايتهم يمشي بخطى ثابتة من أجل تحقيق الأهداف المسطرة مادامت النوايا قبل الجدية والإخلاص منبع ومصدر هذا الإنتاج لأن الربح المادي وخدمة الساكنة تكاد تتفوق عليه لأن بدون خدمة مصالح الساكنة لا يجد الربح المادي استقراره في كون عجلة الإقتصاد وعجلة الحالة الإجتماعية هما صفتان متكاملتان الواحدة تزكي الأخرى . طبعا هذا كله في تكامل الأدوار لأنه داخل الدولة المنتجة كل يؤدي دوره من أجل تطوير محيطه ومجتمعه وهو ما ذهب إليه جلالة الملك محمد السادس نصره الله في خطاب الجدية بحيث أن الجدية في إشارة للمثال الذي قدمته أن المجتمعين و إن لم يكن بينهم صلة شخصية فالجدية هي بمثابة هذا المحور تجعل من الإنسانية في أداء الأدوار ومردودها النفعي بحسب كل يستحق حسب اجتهاده ،تجعل من ذلك المجتمع مجتمعا منتجا معطاء ومنسجما مع قدراته ومع طموحات تطويرها من أجل الرقي بالمشترك و إن كان منه ما يؤدي نفع شخصي طالما هناك الإخلاص و الجدية ونكران الذات نرى أن طموحات هذا المجتمع تبنى لبنة لبنة من أجل الإستمرارية وتجويد الخدمات والدخل الفردي و يجعله مجتمعا راقيا لأن هذا هو مدخل التنمية و الرقي بها ، وهذه التنمية المستدامة التي تجعل من كل شخص مسؤول داخل المجتمع يساهم في الحفاظ عليها من أجل استمرارية الأجيال هنا لا أتحدث عن مجتمع مثالي أفلاطوني لكن مجتمع يؤمن بالجدية وبخدمة الفرد والجماعة مصداقا لقول الله تعالى : ” وتعاونوا على البر والتقوى و لاتتعاونوا على الإثم و العدوان ” .
أردت في هذا الشهر الفضيل الذي يكون المصدر الروحاني و العقدي فيه منبع لاستلهام حاضرة الله داخل المجتمع في كل وقت و كل حين بحيث في معاملاتنا كلها علينا أن نستشعر الجانب الذي نرقى به ونحسن به أنفسنا ودورنا داخل المجتمع لنكون صالحين ومنتجين لأنه لا يمكن أن يكون الإنسان سويا في أدائه إلا إذا كان صالحا مهما كانت قدرته على الإنتاج ، فإنتاجه يكون كضمآن حتى إذا رأى سرابا فإذا جاءه لم يجده شيئا ،كذلك إنتاج هذا الكفء الغير الصالح بين إفاقة وغمضة لا تجد شيئا بينما الصالح إن تعثر أو انسحب إما بقدر إلهي كالموت مثلا أو لظرف ما تجد ما قام به و كأنه عمل مؤسساتي تبني عليه من أجل الإستمرارية ، وهذين نموذجين في الشخصية الإنسانية للمجتمع بين سبيلين : سبيل مشترك عن طريق خدمة المجتمع وسبيل في ترابطه الشخصي يؤدي أيضا إلى مصلحة المجتمع و إذا كانت الجدية و الإخلاص كلاهما يؤدي مؤداه في تطوير نفسه والمجتمع وقس على كل المؤسسات المرتبطة بالمجتمع .