تحل اليوم ذكرى اعظم حدث في تاريخ المغرب بل في تاريخ العالم اجمع، هو حدث المسيرة الخضراء السلمية، التي استرجع المغرب بواسطتها الصحراء، في خضم عالم لا يعترف سوى بلغة القوة والصراعات العسكرية، من اجل استرجاع حقوق الشعوب المسلوبة، من قبل القوى الاستعمارية وهي المنطقة التي ظلت اخر مستعمرة اسبانية في افريقيا.
يمكن لأي مواكب اومتابع للأحداث، أن يسجل ما طاب له من ارتسامات، حول هذا الحدث العظيم، وقد سال فعلا حوله مداد كثير كما الفت عنه كتب عدة، لكن تظل ارتسامات من عاش باحاسيسه في قلب الحدث كمتطوع، ابلغ وأقوى اذ ليس من عاش كمن تابع.
واذ أسجل ارتساماتي عن المسيرة الخضراء، فمن منطلق تجربتي كمتطوع لا كمتابع فقط، فقد عشت اطوارها لحظة بلحظة، ومنذ الخطاب التاريخي الذي زف فيه جلالة الملك الحسن الثاني، الى شعبه الوفي اثر صدور قرار محكمة العدل الدولية مباشرة، عزمه على تنظيم مسيرة خضراء لاسترجاع الصحراء المغتصبة، وكان ذلك عشية يوم 16 اكتوبر 1975، اذ فور انتهاء الخطاب الملكي انطلقت تلقائيا مظاهرات، عمت مجموع التراب الوطني بمدنه وقراه مهللة ومكبرة، حيث اعرب المشاركون فيها عن رغبتهم الملحة، في نيل شرف المشاركة في المسيرة، وأذكر انني كنت يومها متواجدا بمدينة جرسيف، التي قضيت بها حوالي اربع سنوات بعيدا عن الرباط، نظرا لظروف خاصة، مما أتاح لي فرصة التسجيل في لائحة المتطوعين إلى جانب أفراد عائلتي وقبيلتي، كما أذكر أن مكاتب تسجيل المتطوعين عرفت اكتظاظا لانظير له، لدرجة أنه خلال يومين فقط اضطرت إلى إغلاق ابوابها، في وجه الراغبين في التسجيل، حيث فاق عدد المسجلين أزيد من خمسة ملايين، عوض 350 الف المقرر رسميا أن تشارك في المسيرة، وقد شاهدت بأم عيني اشخاصا يذرفون الدموع لأنهم لم يتم اختيارهم بعد حصر اللوائح.
كان انطلاق المتطوعين في اتجاه طرفاية وهي محطة تجمعهم النهائية، قبل صدور الأوامر لاختراق الحدود الوهمية، كان انطلاقهم اما بواسطة القطارات او الشاحنات، وكانت مراكش هي المحطة التي انتظم فيها موكبنا، لقطع المسافة الفاصلة بين مراكش وطرفاية مرورا بأكادير وتيزنيت ولخصاص وكلميم وطنطان، حيث كنا في كل محطة نستقبل بالتصفيقات والزغاريد، من قبل سكان هذه المناطق الذين كانوا ينتظمون في صفوف على طول أرصفة الطريق، قبل الوصول إلى المحطة النهائية بطرفاية، حيث أقيم مخيم ممتد على مساحات شاسعة، لتجمع مطوعي مختلف الاقاليم وعشنا في انتظار اليوم الموعود، أياما بلياليها ونهاراتها كانت عبارة عن عرس لا ينقطع، حيث التباري بين سكان المخيمات من اجل إبراز خصائص كل منطقة على حدة، في مجال العادات والتقاليد المتبعة في مناسبات الافراح، والتي امتازت بتنوع مظاهر الفرح، من رقص وغناء وقرض قصائد زجلية وعروض مسرحية، وغيرها من الأنشطة اليومية في المخيمات.
للامانة والتاريخ فقد شاهدت يوم اعلن جلالة الملك في خطابه، بعد اتفاق مدريد أن المسيرة ادت دورها وان صحراءنا ردت الينا، وان على المتطوعين أن يعودوا إلى منازلهم، شاهدت أشخاصا يبكون لأن رغبتهم في الاصل، كانت هي صلة الرحم مع الارض ومع اخوانهم في العيون والسمارة والداخلة بعد أن فرق بينهم الاستعمار لعقود زمنية، ثم المساهمة بجهودهم وسواعدهم في تنميتها من أجل اعمارها لان المستعمر تركها على الطبيعة التي وجدها عليها يوم احتلالها وكان همه الوحيد اهو استغلال خيراتها.
محمد الأمين ازروال
299